قصتنا اليوم قصة بائعة الكبريت، قصة تروي تفاصيل مؤلمة لفتاةٍ صغيرة وفقيرة، كانت تبيع علب الكبريت لتوفر المال اللازم لشراء الطعام، وما يلزم عائلتها، وفي أحد الأيام كانت تؤدي عملها التي اعتادت عليه وهو بيع علب الكبريت، وقد كان ذلك في ليلة عيد رأس السنة، وكانت تلك الليلة باردة جدًا، حتى أن الثلوج بدأت تتساقط فيها، ولم تكن ترتدي ما يكفي من ثيابٍ ثقيلة وغطاء رأسٍ لتقيها من البرد والثلج والمطر؛ لأنها لم تكن تملك مالًا لشرائها، وأثناء مسيرها في الشوارع أضاعت حذاءها الكبير الذي استعارته بالأصل من والدتها، ومع ذلك تابعت مسيرها بحثًا عن شخصٍ يشتري منها الكبريت حتى تعود لوالدتها ببعض المال  لشراء الطعام، ولكنها لم تجد أحدًا مطلقًا، وقد كان شعورها بالبرد والجوع يزداد شيئًا فشيء، وحبات الثلج تتساقط على شعرها الطويل الأشقر، وعلى ثيابها، وعندها شعرت بتعبٍ شديد جلست في زاوية  بين منزلين، وأثناء ذلك لمحت الناس يُعدّون الطعام المخصص للعيد من النافذة.

وبقيت مكانها لأنها لا تستطيع العودة لمنزلها دون بعض المال، فلو عادت دونه ستتعرض للتوبيخ منهما؛ فتجمدت يداها بسبب البرد الشديد، فأشعلت عودًا من الكبريت، ووضعت يديها حوله لتشعر بالدفء، وعلى انعكاس الضوء الخافت المنبثق من عود الكبريت هذا، تخيلت نفسها بأنها جالسة أمام مدفأة كبيرة تنشر الدفء في كل المكان حتى يصل إليها، فمدت ساقيها لتدفئهما؛ لكن عود الكبريت انطفئ وزال سريعًا الشعور الذي رسمته في خيالها عن المدفأة الكبيرة، وبقي طرف العود مشتعلاً، فأشعلت من خلاله عودًا آخر، فاشتعل وأضاء ما حولها؛ فعادت لتتخيل مائدة طعامٍ، وعليها ديك رومي مشوي.

ثم انطفأ اللهيب مرةً أخرى، فأشعلت منه عودًا آخر، وهذه المرة تخيلت نفسها جالسةً تحت شجرة ميلادٍ جميلة جدًا، ثم انطفأ عود الكبريت مرةً أخرى، فنظرت للسماء ووجدت النجوم متلألأة ومشعة، وفجأة سقطت نجمة منهنّ راسمةً شهابًا، فقالت بينها وبين نفسها لا بدّ أنّ أحدًا قد مات؛ لأن جدتها  أخبرتها مسبقًا أنه إذا سقطت نجمة، فهذا يعني أن روحًا صعدت للسماء، ثم أنارت عود كبريتٍ آخر، فتخيلت جدتها واقفة من بين هذه الأضواء، وهي سعيدة، وتنظر إليها، فصارت تصرخ، وتقول: جدتي، جدتي، خذيني معك قبل أن ينطفئ عود الكبريت مرةً أخرى.

وقالت لها أعلم أنك ستختفين كما أختفت كل الأشياء الجميلة التي تخيلتها؛ المدفئة، والديك الرومي، وشجرة الميلاد، فأسرعت لإشعال جميع أعواد الكبريت المتبقية لكي تتخيل جدتها فترةً أطول، فاقتربت جدتها منها وحضنتها، ثم طارت روحيهما معًا للسماء، ولم تعد تشعر الفتاة الصغيرة لا بالبرد ولا بالجوع، ثم انطفأت كل الأعواد، وقد كانت الفتاة الصغيرة ممدة بين زاويتي المنزلين، بابتسامتها الجميلة المرسومة على فمها، وقد ماتت بسبب البرد  الشديد في تلك الليلة.

وعندما طلع النهار، ورأها الناس ممدةً وميتة، قالوا: يا لها من فتاة حزينة، أرادت الدفء ولكنها ماتت، والحقيقة أنّ هذه النهاية هي حزينة بالنسبة لهم، لكنها كانت سعيدة بالنسبة لتلك الفتاة الصغيرة؛ لأن آخر ما كانت تشعر به دفء جميل، ووجه جدتها الحنونة، وقد ماتت وهي تاركة ذلك البرد الشديد، والشقاء في بيع الكبريت.